ADAB !!!

الأربعاء، يوليو 06، 2011

أحزاب المرحلة الجديدة ...

1- حزب أعداء السكوت

قالوا قديماً : "تكلم حتي أراك" ... و قالوا أيضاً : " المرء مخبوء تحت لسانه" ... أي أن أراء الإنسان لا يوضحها إلا كلامه . ولكني في هذه الأيام التي لا ينتهي فيها الكلام ، و التي أصبحنا فيها جميعاً فاهمين في كل حاجة و بنتكلم في السياسة و لا أجدع عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي و بنفهم حكم التاريخ و ما بين السطور و لا أعظم حكماء اسبرطة ، فإنني – كواحد من الحكماء بقي- علي وشك إصدار حكمة جديدة قريباً بالأسواق ... الحكمة تقول : " و النبي ماتتكلم حتي لا أراك و لا أسمعك" علشان الصداع و وجع الدماغ ... و حكمة أخري :

" و الله العظيم ليس هناك أي شيء تحت لسانك " ... هاتان المقولتان الحكيمتان الخالدتان أقولهما بعلو صوتي لأعضاء حزب " أعداء السكوت" ...

و لكن ما هو حزب " أعداء السكوت" ؟!!! ...

لمن لا يعرف هذا الحزب دعوني أقدمه في عجالة : أعداء السكوت هو أحدي الحركات ذات القاعدة الجماهيرية العريضة جداً و لا ينافسه في عدد الأعضاء أو الشعبية إلا حركة الأخوان المسلمين و حركة شباب 25 يناير الذي نترقب جميعاً إعلانه ليصير أكبر حزب في مصر ، و يبدو أن أعضاء حركة أعداء السكوت قد شجعهم الكلام عن تعديل قانون تأسيس الأحزاب و سعي الأخوان و شباب 25 يناير لإعداد برامجهم و استراتجيتهم الحزبية فسعوا هم لمزيد من الكلام ، فعلي حين يتركز برنامج الأخوان حول الإصلاح الإجتماعي و تحقيق العدالة من منظور إسلامي وسطي ، و علي حين تتركز أهداف شباب 25 يناير حول الإصلاح السياسي و الأجتماعي من منظور ليبرالي مدني ، تتركز سياسة أعداء السكوت في الكلام عمال علي بطال من منظور أنا أتكلم إذاً أنا موجود. و أهدافهم كثيرة تستطيع إختصارها في :" السعي لتحريك المراكب الواقفة و السعي لإيقاف المراكب السايرة"... في نفس الوقت !!!.

و قد أسعدني الحظ بلقاء بعض نشطاء هذا الحزب الوليد علي مدي سنين طويلة ، فكانوا يمصمصون شفاههم و هم ينظرون لحال البلد اللي يبكي و حال الحزب الوطني الفاسد و .... و.... و.... و أستحضر الحكمة القديمة بتاعة المرء مخبوء تحت لسانه فأكاد أجزم أن جيفارا لم يمت و أنه قاعد تحت لسانهم ، فأتركهم و أنا مطمئن علي مستقبل البلد و أن شيئاً ما لابد سيحدث . و فجأة قامت القيامة و تحققت المعجزة و تطهرت البلد مما سمي " النظام" و هو في الحقيقة قمة الفوضي!. و عندما تقابلت مع بعضهم مسرورا بما حدث و جدتهم يمصمصون شفاههم و يقولون : هوه كده خلاص ؟!! ده مافيش حاجة حصلت !!. و أظن أنهم يتحدثون عن حكومة شفيق التي لم تقال بعد فأقول مستمداً حماسي من حماسهم الثوري القديم: كلها مسألة أيام !. و لكني أجدهم يتحدثون أن حسني مبارك لسه بيمشي البلد و ما فيش حاجة إتغيرت ، ثم يلقون بالمفاجأة الكبيرة بأن الثورة لم تكن الحل الأمثل !!! و تحاول أن توسع صدرك لتفهم وجهة نظرهم فيقولوا : يعني هل يرضيك هذا الخراب ؟!. يانهار أسووود ، و هل كان هناك خراب أكثر مما كان ؟! يقولوا في هدوء مستفز: يعني يبقي الحل إن أحنا كمان نخربها ؟! فتجد نفسك تصيح في غضب : مرة من نفسي بقي !!!. و لأني أؤمن بأن جيفارا كان تحت لسانهم من كام شهر لا أصدق أنه ترك مكانه لصفوت الشريف بهذه البساطة !!! فأعود بعد يومين و أجلس لأشرب فنجان القهوة في هدوء و لامبالاة – و كأني تخليت عن حماسي الثوري – فأقول في لهجة تمثيلية : دا احنا لسه قدامنا و لا عشر سنين حتي تنظف البلد !! فإذا بهم يقولون : بس كان لازم الناس تبدأ و لا أنت عايز نفضل قاعدين في الفساد اللي كنا فيه ؟!! عندئذ أبحث عن حباية الذبحة لأضعها تحت لساني أنا ...

و طوال الأسبوعين الماضيين كنت أقابلهم كثيراً فقد أنتشروا بطريقة تفوق انتشار النكت اللي اتقالت عن النظام طوال أسبوعي الثورة و في كل مرة كنت أحاول أن أساهيهم و أنظر تحت لسانهم فلا أجد شيئاً علي الإطلاق !!! كلام و خلاص ...

و المدهش إن أحداً منهم لم ينزل إلي التحرير بل كانوا وقت الثورة في بيوتهم يتشاجرون مع كل من في البيت أكثر من مشاجرات الثوار مع الأمن المركزي في جمعة الغضب و يصيحون في غضب : بقي ده يرضي ربنا ؟! و الله العظيم دول رجالة ، بيموتوا نفسهم علشان البلد تنضف !! ... و إذا ذهبوا مرة للتحرير فإذا بهم يقولون للناس : كفاية بقي لحد كدة و نرجع بقي بيوتنا !! رغم أنهم لم ينزلوا أصلاً إلا من ساعة واحدة و لم يسمعوا شيئاً بعد و لكن أهو لازم يتكلموا و خلاص . ثم يقولون للي في البيت : حسني مبارك لازم يمشي و في التحرير يخبرونك في يقين : الريس لا يمكن يمشي إلا هاتحصل حالة فراغ دستوري رهيبة ، و لأن حالة الفراغ الدستوري تحدث بدرجة واحدة فليس هناك حالة فراغ دستوري بسيطة ثم متوسطة ثم رهيبة فإنني أدرك أن اللي تحت لسانهم في هذه اللحظة القانونية الحميمة هو فتحي سرور بنفسه !!!.

مضت الأيام و رحل الرئيس و رحل الكثيرون فهل يرحل حزب أعداء السكوت كما رحل الحزب الوطني ؟! أبدا ... تحدثوا عن خسائر البلد من الثورة و عن إنجازات الثورة ، عن الفوضي اللي بقينا فيها و عن نظافة الشباب و حمايتهم للبلد ، عن خيانة أحمد شفيق و عن إخلاصه، باختصار تكلموا و تحمسوا لكل حاجة و عكسها !!! . و فقدت صبري علي النقاش و أوشك رأسي أن ينفجر من كثرة الحوارات فصرت كلما جمعني بهم مجلس لا أصبر حتي يتكلموا لأراهم ، بل أني أقول بلهجة مخبر زانق واحد في الحيطة جوه حارة سد : وريني ياض مخبي مين تحت لسانك !!! .

أحمد مدحت

Ahmed_medhat31@yahoo.com